المواطنة والدولة المدنية في الفكر الإسلامي المعاصر : راشد الغنّوشي نموذجاً

Abstract

المواطنة و الدولة المدنية أقنومان متلازمان مترافقان, فمتى كانت السلطة الحاكمة في المجتمع ناتجة عن الإختيار الحرّ و الواعي للجماعة, وتعبيراً عن إرادتها العامة, و بعيدة عن الإستبداد و التسلطّ باسم الدين والإله, كانت مدنية, و كانت المواطنة أمراً واقعاً معاشاً, والعكس بالعكس. إن البحث و الخوض في إشكالية الدولة المدنية والمواطنة في الفكر الإسلامي منذ نشوئه (مع أو من خلال "صحيفة المدينة") وفي مختلف مراحله ومحطاته, يشكل عملاً هامً وإنجازاً بحد ذاته, والأهم من ذلك هو تناول المسألة بمختلف جوانبها في واقعنا الراهن بكل أبعاده, لاسيما بعد صعود الحركات الإسلامية ووصول العديد منها إلى الحكم في معظم الدول العربية. فمع عقد "الصحيفة" تأسست دولة المدينة أو الدولة المدنية في المدينة, وكان هذا العقد بمثابة دستور لها, فتجلت المواطنة في ثنايا بنوده. ومع الذميّة أو "عقد الذمة" كانت مواطنة غير المسلمين في مرتبة أقل من مواطنة المسلمين, وأستمر ذلك مترافقاً مع الخلافة التي جسدت نموذج الدولة الدينية بشكل أو باّخر. وفي أواخر عهد الخلافة, زمن إنحلالها وضعفها, جاء تيار الإصلاحالديني, طارحاً قضية التجديد و النهوض بالدولة على أسس حديثة, وبمشاركة جميع أبنائها. وقد كان من الأبرز في هذا السياق علي عبد الرزاق الذي دعا إلى الفصل بين الدين و الدولة وبين الإسلام والحكم أو السلطة. وفي الحقبة المعاصرة برز العديد من أعلام الفكر الإسلامي المنفتحين على الحداثة الغربية, دون التخلي عن مبادئهم ومنطلقاتهم الفكرية, بحيث صاغوا النظريات التي تتاّلف فيها مبادئ الإسلام الأساسية ومقاصد الشريعة وروحها مع القوانين والأنظمة الحاملة للمفاهيم الحداثوية بعد تأصيلها إسلامياً. ولعلّ الأبرز في هذا الإتجاه قد يكون الشيخ راشد الغنوشى الذي لطالما دعا إلى حكم ديقراطي وعدالة إجتماعية وحريات عامة.. وليس إلى دولة دينية.