يحيى بن سعيد الانطاكي : مؤرخ مسيحي ملكي من العصر الفاطمي

Abstract

Iمن بينّ المصادر التاريخيّة الكثيرة للعصور الوسطى، يبرز "كتاب الذيل"، المعروف بصلة تاريخ أوتيخا، للمؤرّخ يحيى بن سعيد الأنطاكي، الذي يرسم في الكتاب المذكور صورة متكاملة للمرحلة الممتدّة من العام 938 إلى العام 1034 للميلاد، أي المرحلة البيزنطيّة العباسيّة الفاطميّة، وهي حقبة شديدة الأهميّة في التاريخ الوسيط. ويشتمل الكتاب على أخبار حول أحداث لافتة وقعت في العالميّ المسيحي والإسلامي، في تلك الحقبة، كفتوحات البيزنطيّيّ واستعادتهم للسيطرة على سوريّا، وقيام الخلافة الفاطميّة ونشوء الدعوة الدرزيّة في كنفها، فضلاً عن تفكّك الخلافة العباسيّة، وصراعات طائفيّة مذهيبة، وأحداث دينيّة واجتماعيّة، وظواهر طبيعيّة. وكان أوّل ما استرعى انتباهي، لدى قراءتي الكتاب، وجود تشابه كبير بين الأخبار الواردة فيه، وتلك التي أوردها مؤرّخون عرب أتوا بعد الأنطاكي بفترة بعيدة، أمثال ابن العديم، مؤرّخ حلب، الذي جاء قسم لا يستهان به من أخباره وكأنّه منقول حرفيّاً عن "كتاب الذيل". فاستناداً إلى ذلك، قرّرت الإنطلاق، في بحثي هذا، من إشكاليّة تتمحور حول قيمة "كتاب الذيل" وأهمّيته كمصدر من مصادر التاريخ الوسيط، واستطراداً حول ما إذا كان من الممكن اعتبار الأنطاكي مؤرّخاً متميّزاً بيّن المؤرخين العرب، في العصور الوسطى. وقد حاولت الإضاءة على الإشكاليّة المذكورة من خلال التطرّق إلى أمور ثلاثة: الأمر الأوّل، هو نقد الأنطاكي المتوازن للمسلميّ والمسيحيّيّ، على حدّ سواء، وحياديّته وموضوعيّته في سرد الأحداث، وهو المسيحي الملكي الذي عاش في مصر الفاطميّة، زمن "الحاكم بأمر الله"، الذي كان قد ألحق اضطهادات جمّة بالجماعة المسيحيّة التي ينتمي الأنطاكي إليها. الأمر الثاني، هو أخبار جديدة أتى بها الأنطاكي دون سواه ممّن سبقوه من المؤرّخيّ العرب، منها ما يتعلّق بعقائد وذهنيّات مسيحيّة، ومنها ما يتعلّق بالخلافات والإنشقاقات التي عصفت بالجماعة المسيحيّة في عصره. أمّا الأمر الثالث، فهو شموليّة الكتاب، لجهة احتوائه على أخبار إقتصاديّة إجتماعيّة عقائديّة- - - ذهنيّة، وعدم اقتصاره على الأخبار السياسيّة والعسكريّة. وقد قسّمت بحثي إلى ثلاثة فصول، فقدّمت في الفصل الأوّل تعريفاً بالمؤرّخ يحيى بن سعيد الأنطاكي والحقبة التي عاش فيها وأرّخ لها، كما عرّفت "بكتاب الذيل" والنسخ الموجودة منه، وعرضت لظروف تأليفه. ولأنّ الكتاب هو تكملة لك.