ضرورة الأساطير والخرافات

Abstract

قد يكون من باب البدهيات التذكير بأن إحدى النتائج الأولية والملموسة لاكتشاف الكتابة وانتشارها هى ضبط و تثبيت الأساطير والقصص الخرافية في شكلها النهائي على الورق. ففيما كانت الخرافة تعيش وتنتقل وتتحول وتتطور في جو من الحرية المطلقة، أتت الكتابة لتحد من هذه الحركية وتشكل سببا لموتها أو على الأقل لتسهم في إضعاف وشل تلك الطاقة لدى الشعوب فى إنتاج المزيد منها أوتحوير ما اختزنته في ذاكرتها؛ إذ لم تحفظ الكتابة، بوصفها فعلا لازمانيا، تلك المسافة الزمنية الملازمة للشفاهة بين إنتاج الأقصوصة الخرافية- الأسطورية وعملية تسطيرها "الأبدي" على الورق، المسافة التى فيها يتم تحور الأقصوصة وهي تنتقل من فم إلى فم. من هنا اختلاف العديد من القصص في بعض تفاصيلها من كاتب لآخر. ولا يعود هذا إلى إرادة أو نية لدى الكاتب فحسب بل يعود أيضا الى المنابع الشعبية التي استقيت منها القصة في مسارها النهائي. فاختلاف الخاتمة مثلا بين غريم وبيرو في قصة" الفتاة ذات القبعة الحمراء" لا يرجع إلى رغبة الواحد في إحياء الفتاة (مستحضرا ربما أسطورة النبي يونان، أو يونس، الذي بلعه الحوت ثم عاد وقذفه بعد ثلاثة أيام من دون مضغه - راجع التوراة، سفر يونان؛ والإنجيل، متى ١٦/٤ و لوقا ١١/٢٩-٣٠؛ والقرآن، سورة الصافات، الآيات ١٣٩-١٤٤) وتوق الآخر في قتلها (احتراما ربما لواقعية ما، نتيجة تأثير "عقلانية" القرن السابع عشر الديكارتي، مما أضعف كثيرا من البعد الخيالي والفني لقصص بيرو)، بل يرجع إلى نهايتين مختلفتين شاءت الذاكرة الشعبية الاحتفاظ بهما لما تضفيانه على جوهر القصة من مناحي تعليمية-أخلاقية تميزها تبعا للنهاية السعيدة أو الحزينة